بحث بعنوان التفتيش التحقيقي في النظام السعودي ، أحمد بن عبدالله الزهراني
مقدمة
مما لاشك فيه أن الشريعة الإسلامية قد عنيت عناية فائقة بحماية الحريات الشخصية وصيانتها، غير أن هذه الحرية ليست مطلقة دون تقييد أو تحديد إذ يجب أن لا تجور على حرية أفراد آخرين كما لا يجوز لها أن تخل بنظام الجماعة وأمنها . وعليه فإذا كان من المقرر شرعاً عدم جواز تفتيش الأشخاص أو حتى مجرد دخول المساكن إلا بإذن ساكنها قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنسُوا وَتُسَلَّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تدخلوها حتى يؤذن لَكُمْ.
إلا أنه واستثناء من هذا الأصل فقد أجيز دخول المساكن وتفتيشها وتفتيش الأشخاص في أحوال خاصة لا تتعدى لسواها، وذلك استناداً لقوله تعالى في معرض إخباره عن قصة نبي الله يوسف عليه السلام ( فَبَداً بأَوْعيتهمْ قَبْلَ وعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وَعَاء أخيه ) .
وأعمالاً للقاعدة الشرعية الضرورات تبيح المحظورات»، على أن يكون ذلك في أضيق الحدود نظراً لما يتضمنه التفتيش في جوهره من اعتداء على حق الإنسان في الاحتفاظ رمة مسكنه وأماكنه الخاصة الأخرى التي تعتبر من أهم عناصر الحقوق والحرية الشخصية فضلاً عما قد ينتج عن التفتيش من ظهور أدلة تصلح أن تكون ركيزة للحكم على شخص ربما كان بريئاً .
ولما روى عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن به ظعينة، معها كتاب فخذوه منها ، قال : فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها : أخرجي الكتاب، فقالت ما معي كتاب ، فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب قال :
وتأسيساً على ذلك فقد قرر نظام الحكم الأساسي الصادر بالمرسوم الملكي رقم أ٩٠ و تاريخ ١٤١٢/٨/٢٧هـ في المادة السابعة والثلاثين على أن للمساكن حرمتها ولا يجوز دخولها بغير إذن صاحبها ولا تفتيشها إلا في الحالات التي يبينها النظام»، كما أن نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ ۳۹ تاريخ ٢٨/ ٧ / ١٤٢٢هـ قد نص في المادة الأربعين على أن «للأشخاص ومساكنهم حرمة تجب صيانتها . » فيما تضمنت المادة الحادية والأربعون التأكيد على عدم جواز دخول المساكن أو تفتيشها إلا في الأحوال عليها نظاماً . المنصوص.
وبناء عليه فإن الحديث عن التفتيش كأحد أهم أعمال التحقيق وأخطرها مساساً بالحريات يستدعي منا في ضوء ما أتيح لنا الاطلاع عليه من أنظمة وتعاميم ومصادر علمية وقرارات شرعية، أن نقسم هذا البحث إلى سبع مباحث نسعى من خلالها لإبراز دور الشريعة الإسلامية كنظام الهي صالح لكل زمان ومكان يعنى بحقوق الإنسان، وكيف أن النظام السعودي قد استمد قواعده منه ، مع إيراد لبعض التطبيقات للقضاء الشرعي السعودي وذلك على النحو التالي :
المبحث الأول – ماهية التفتيش التحقيقي .
المبحث الثاني – السلطة المختصة بالتفتيش.
المبحث الثالث – محل التفتيش .
المبحث الرابع – قواعد التفتيش .
المبحث الخامس – إجراءات التفتيش .
المبحث السادس – غاية التفتيش .
المبحث السابع – جزاء مخالفة قواعد التفتيش